أربع سنوات ترمب- أمريكا والعالم على مفترق طرق

المؤلف: حمود أبو طالب11.06.2025
أربع سنوات ترمب- أمريكا والعالم على مفترق طرق

نحن على مشارف حقبة أمريكية تمتد لأربع سنوات، قد تكون فريدة من نوعها في سجل التاريخ السياسي الأمريكي المعاصر. وبما أنها سنوات أمريكية، فمن المؤكد أن العالم بأسره سيتأثر بها، لأن أمريكا حاضرة في كل ركن من أركان المعمورة، ومتواجدة بشكل أو بآخر في كل شبر من خريطة العالم. العاصفة التي أثارها الرئيس المنتخب دونالد ترامب لم تهدأ وتيرتها بعد، بل تتصاعد حدتها وضجيجها منذ إعلان فوزه الساحق. سرعة اختياره لفريق عمل غير تقليدي، يختلف عن الأعراف السياسية الأمريكية الراسخة، قد تخرج قليلًا عن التقاليد المألوفة، لكن ليس بهذا التحول الجذري الكبير الذي نشهده الآن. دونالد ترامب، القادم من عالم المال والأعمال كأحد أعمدته البارزة، جاء هذه المرة ببرنامج عمل وسياسات متباينة، تتجاوز حدود المساحة التي اعتاد الحزبان الجمهوري والديمقراطي المناورة فيها لفترة طويلة. هل كان ذلك نابعًا من وعي سياسي ترسخ لديه من خلال تجربته الرئاسية الأولى، ثم انغماسه العميق في عالم السياسة بعد ذلك، ومتابعته الحثيثة لكل ما جرى من أحداث، والمشاكل الشائكة التي واجهته؟ هو لم يغادر هذا العالم حتى بعد خروجه من البيت الأبيض، لكنه ربما تعامل مع الوضع بعقلية رجل الأعمال المغامر الذي خسر جولة، لكنه يصر بإصرار على الفوز بجولات أخرى، حتى لو كانت تلك الجولة بحجم معركة ضروس للعودة إلى البيت الأبيض مهما كلفه الثمن. وها هو قد عاد منتصرًا كأول رئيس أمريكي يسجل هذه السابقة التي ضخت في عروقه كمية هائلة من النشوة والثقة بالنفس، لكن ربما تكون حسابات الحقول الزراعية مختلفة تمامًا عن حسابات البيدر، خاصة إذا قرر الاصطدام بمؤسسات قوية راسخة ومتجذرة في أعماق التاريخ. نحن إزاء إدارة أمريكية جديدة، كل ما فيها يثير الدهشة والاستغراب. الوعود الانتخابية وبرنامج العمل الذي بشر به الرئيس ترامب يحمل الكثير من الجرأة التي تقترب من حدود المجازفة. على الصعيد الداخلي، يسعى إلى مواجهة البيروقراطية المتفشية في أداء الأجهزة الفيدرالية، ورفع كفاءتها، وترشيد نفقاتها، كأحد أهم الملامح البارزة في برنامج عمل إدارته، بالإضافة إلى خطوات جريئة أخرى يود اتخاذها، مثل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وضبط الحدود بشكل صارم، وتصحيح محتوى التعليم، بالإضافة إلى معالجة قضايا الصحة والبطالة والتضخم، وكلها ملفات شائكة قد تسبب له صداعًا مزمنًا في حال إصراره على تنفيذها، أو في حال عدم قدرته على تحقيق ذلك. وعلى الصعيد الخارجي، يطمح ترامب إلى إنهاء الحروب والنزاعات التي صرح بأنها لم تكن لتحدث لو كان هو في سدة الحكم، ويؤكد ببساطة أنه قادر على إنهاء بعضها خلال أيام معدودة. من منا لا يتمنى ذلك؟ لكن لا يبدو أن الحروب المعقدة والأزمات المزمنة ستنتهي بهذه السهولة. على الأرجح، هو مجرد استهلاك إعلامي انتخابي يغازل به أمنيات وتطلعات الراغبين في التخلص من تلك الحروب والأزمات الممتدة. وأيضًا، فإن أمريكا حاضرة كأحد أهم الأسباب في حدوث واستمرار بؤر التوتر والاشتعال في مختلف مناطق العالم، وهناك مؤسسات عميقة لها مصالح راسخة في استمرارها وإدارتها، ولن يستطيع الرئيس بسهولة فرض قراراته عليها. في جميع الأحوال، العالم على موعد مع أربع سنوات قد تعيد تشكيل الكثير من الأمور داخل أمريكا وخارجها، إذا سارت الأمور وفقًا لما يشتهيه الرئيس ترامب، لكن المشكلة تكمن في ماذا سيحدث إذا عاندت الرياح شخصًا عنيدًا بطبعه. الله وحده العالم ببواطن الأمور ومآلاتها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة